فصل: (فَرْعٌ): (الدَّالَّ عَلَى الْمَقْتُولِ لِيُقْتَلَ ظُلْمًا يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَرْعٌ): [الدَّالَّ عَلَى الْمَقْتُولِ لِيُقْتَلَ ظُلْمًا يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ]:

(اخْتَارَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (أَنَّ الدَّالَّ) عَلَى الْمَقْتُولِ لِيُقْتَلَ ظُلْمًا (يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ إنْ تَعَمَّدَ)، وَعَلِمَ الْحَالَ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ: إذَا تَعَذَّرَ تَضْمِينُ الْمُبَاشِرِ، وَإِلَّا فَهُوَ الْأَصْلُ (وَإِلَّا) يَتَعَمَّدْ الدَّالُّ فَعَلَيْهِ (الدِّيَةُ)، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَيْضًا (أَنَّ الْآمِرَ) بِالْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ (لَا يَرِثُ) مِنْ الْمَقْتُولِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ لَهُ تَسَبُّبًا فِي الْقَتْلِ.

.فَصْلٌ: [الثاني: شِبْهُ الْعَمْدِ]:

(وَشِبْهُ الْعَمْدِ، وَيُسَمَّى: خَطَأَ الْعَمْدِ، وَعَمْدَ الْخَطَإِ)؛ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِيهِ (أَنْ يَقْصِدَ جِنَايَةً لَا تَقْتُلُ غَالِبًا، وَلَمْ يَجْرَحْهُ بِهَا)؛ أَيْ: الْجِنَايَةَ (كَمَنْ ضَرَبَ) شَخْصًا (بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا أَوْ حَجَرٍ صَغِيرٍ) إلَّا أَنْ يَصْغُرَ جِدًّا كَقَلَمٍ، وَأُصْبُعٍ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ أَوْ يَمَسُّهُ بِالْكَبِيرِ بِلَا ضَرْبٍ؛ فَلَا قِصَاصَ، وَلَا دِيَةَ (أَوْ لَكَزَ) غَيْرَهُ بِيَدِهِ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ (أَوْ لَكَمَ غَيْرَهُ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ، أَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ، أَوْ سَحَرَهُ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، فَمَاتَ، أَوْ صَاحَ بِعَاقِلٍ اغْتَفَلَهُ أَوْ بِصَغِيرٍ أَوْ مَعْتُوهٍ، لَا إنْ) صَاحَ (بِمُكَلَّفٍ عَلَى سَطْحٍ، فَسَقَطَ، فَمَاتَ) أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ، وَنَحْوَهُ (فَفِيهِ)؛ أَيْ: الْقَتْلِ بِكُلٍّ مِنْ تِلْكَ (الْكَفَّارَةُ فِي مَالِ جَانٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} وَالْخَطَأُ مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ (وَ) فِيهِ (الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ)؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ}، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: «اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، فَقَتَلَتْهَا، وَمَا فِي بَطْنِهَا فَقَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَأَوْجَبَ دِيَتَهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَهِيَ لَا تَحْمِلُ الْعَمْدَ.

.فَصْلٌ: [الثالثُ: الْخَطَأُ]:

(وَالْخَطَأُ) (ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ) مِنْهُمَا (فِي الْقَصْدِ، وَهُوَ)؛ أَيْ: الضَّرْبُ الْمَذْكُورُ (نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْمِيَ مَا يَظُنُّهُ صَيْدًا) فَيَقْتُلَ إنْسَانًا، أَوْ يَرْمِيَ مَنْ يَظُنُّهُ (مُبَاحَ الدَّمِ) كَحَرْبِيٍّ، وَمُرْتَدٍّ فَيَقْتُلُ مَعْصُومًا (فَيَبِينُ) مَا ظَنَّهُ صَيْدًا (آدَمِيًّا مَعْصُومًا، أَوْ يَفْعَلُ مَا لَهُ فِعْلُهُ) كَقَطْعِ لَحْمٍ (فَيَقْتُلُ إنْسَانًا، أَوْ يَتَعَمَّدُ الْقَتْلَ صَغِيرٌ أَوْ) يَتَعَمَّدُهُ (مَجْنُونٌ)؛ لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُمَا، فَعَمْدُهُمَا كَخَطَإِ الْمُكَلَّفِ، بِخِلَافِ السَّكْرَانِ اخْتِيَارًا (فَفِي مَالِهِ) أَيْ: الْقَاتِلِ خَطَأً فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كُلِّهَا (الْكَفَّارَةُ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ) لِمَا سَبَقَ، وَإِذَا فَعَلَ (مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ كَأَنْ يَرْمِيَ حَيَوَانًا مُحْتَرَمًا فَيَقْتُلَ آدَمِيًّا، فَيُقْتَلُ بِهِ نَصًّا) قَالَهُ الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَخَرَّجَهُ الْمُوَفَّقُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فِيمَنْ رَمَى نَصْرَانِيًّا فَلَمْ يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ، أَنَّهُ عَمْدٌ يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ (خِلَافًا لَهُ)؛ أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فِي قَوْلِهِ: وَالْخَطَأُ كَرَمْيِ صَيْدٍ أَوْ غَرَضٍ أَوْ شَخْصٍ، وَلَوْ مَعْصُومًا، أَوْ بَهِيمَةٍ، وَلَوْ مُحْتَرَمَةً، فَيُصِيبُ آدَمِيًّا مَعْصُومًا لَمْ يَقْصِدْهُ، انْتَهَى؛ أَيْ: فَلَا يُقَادُ بِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا) يُقْتَلُ بِقَتْلِهِ آدَمِيًّا لَمْ يَقْصِدْهُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، وَمَيْلُ الْمُصَنِّفِ إلَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ، لَكِنَّ مَيْلَ صَاحِبِ الْإِنْصَافِ إلَى الْمَنْصُوصِ، وَهُوَ مَفْهُومُ الْمُنْتَهَى. (وَمَنْ قَالَ: كُنْتُ يَوْمَ قَتَلْت صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا، وَأَمْكَنَ) ذَلِكَ بِأَنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ حَالَ صِغَرِهِ أَوْ عُهِدَ لَهُ حَالُ جُنُونٍ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ)؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُجُودَ الْقَوَدِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَكَذَا لَوْ ثَبَتَ زَوَالُ عَقْلِهِ، وَقَالَ: كُنْت مَجْنُونًا، وَقَالَ الْوَلِيُّ: بَلْ سَكْرَانُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ مَا ادَّعَاهُ لَمْ يُقْبَلْ.
تَنْبِيهٌ:
وَإِنْ قَتَلَ، وَهُوَ عَاقِلٌ ثُمَّ جُنَّ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ حِينَ الْجِنَايَةِ عَاقِلًا، سَوَاءٌ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ، وَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ. وَلَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ حَدُّ زِنًا أَوْ حَدُّ شُرْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ بِإِقْرَارِهِ، ثُمَّ جُنَّ؛ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ حَالَ جُنُونِهِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ عَنْ ذَلِكَ يَمْنَعُ إقَامَتَهُ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ، وَالسَّكْرَانُ وَشَبَهُهُ كَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ لَا يُعْذَرُ فِيهِ، كَمَنْ يَشْرَبُ الْأَدْوِيَةَ الْمُخَبِّثَةَ، إذَا قَتَلَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ حَدَّ الْقَذْفِ، وَإِذَا وَجَبَ حَدُّ الْقَذْفِ؛ فَالْقِصَاصُ الْمُتَمَحِّضِ حَقُّ آدَمِيٍّ أَوْلَى [؛ وَلِأَنَّهُ يَقْضِي إلَى أَنْ يَصِيرَ عِصْيَانُهُ] سَبَبًا لِإِسْقَاطِ الْعُقُوبَةِ عَنْهُ (الثَّانِي): مِنْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ (أَنْ يَقْتُلَ بِدَارِ الْحَرْبِ) مَنْ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا، فَيَبِينُ مُسْلِمًا (أَوْ) يَقْتُلُ بِـ (صَفِّ كُفَّارٍ مَنْ ظَنَّهُ حَرْبِيًّا فَبَانَ مُسْلِمًا) لَمْ يَقْصِدْ، (أَوْ) يَرْمِي وُجُوبًا (كُفَّارًا تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمٍ، وَيَجِبُ) رَمْيُهُمْ إذَا تَتَرَّسُوا بِهِ (حَيْثُ خِيفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إنْ لَمْ يَرْمِهِمْ، فَيَقْصِدُهُمْ)؛ أَيْ: الْكُفَّارَ بِالرَّمْيِ (دُونَهُ)؛ أَيْ: الْمُسْلِمِ (فَيَقْتُلُهُ) بِلَا قَصْدٍ (فَفِيهِ)؛ أَيْ: هَذَا النَّوْعِ (الْكَفَّارَةُ فَقَطْ)؛ أَيْ: دُونَ الدِّيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} وَلَمْ يَذْكُرْ دِيَةً، وَتَرَكَ ذِكْرَهَا فِي هَذَا النَّوْعِ مَعَ ذِكْرِهَا فِيمَا قَبْلَهُ، وَبَعْدَهُ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ وُجُوبِهَا فِيهِ، وَهَذَا فِيمَنْ كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ، كَالْأَسِيرِ، وَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَأَمَّا مَنْ (وَقَفَ بِصَفِّهِمْ اخْتِيَارًا) مِنْهُ، فَقُتِلَ (فَهَدَرٌ) لَا يُضْمَنُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلتَّلَفِ بِلَا عُذْرٍ. أَفَادَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (الضَّرْبُ الثَّانِي): مِنْ ضَرْبَيْ الْخَطَإِ: خَطَأٌ [فِي الْفِعْلِ] (وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ صَيْدًا أَوْ هَدَفًا، فَيُصِيبَ آدَمِيًّا) مَعْصُومًا اعْتَرَضَهُ (لَمْ يَقْصِدْهُ، أَوْ يَنْقَلِبَ نَحْوَ نَائِمٍ) كَمُغْمًى عَلَيْهِ (عَلَى إنْسَانٍ، فَيَمُوتُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) فِي مَالِهِ (وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ) كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْخَطَإِ (لَكِنْ لَوْ كَانَ الرَّامِي ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ بَيْنَ رَمْيٍ وَإِصَابَةٍ؛ ضَمِنَ الْمَقْتُولَ فِي مَالِهِ) لِمُبَايَنَتِهِ دِينَ عَاقِلَتِهِ بِإِسْلَامِهِ، وَلَا يُمْكِنُ ضَيَاعُ دِيَةِ الْمَقْتُولِ، فَوَجَبَتْ هِيَ، وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِ الْجَانِي. (، وَمَنْ قُتِلَ بِسَبَبٍ كَحَفْرِ بِئْرٍ، وَنَصْبِ نَحْوِ سِكِّينٍ، وَحَجَرٍ تَعَدِّيًا، إنْ قَصَدَ جِنَايَةً فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ)؛ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَصْدِ كَالْعَمْدِ، وَبِالنَّظَرِ إلَى عَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ خَطَأٌ (وَإِلَّا) يَقْصِدْ جِنَايَةً فَهُوَ (خَطَأٌ) لِعَدَمِ قَصْدِ الْجِنَايَةِ. (، وَإِمْسَاكُ الْحَيَّةِ مُحَرَّمٌ، وَجِنَايَةٌ)؛ لِأَنَّهُ إلْقَاءٌ بِنَفْسِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ (فَلَوْ قَتَلَتْ مُمْسِكَهَا مِنْ مُدَّعِي مَشْيَخَةٍ، فَقَاتِلٌ نَفْسَهُ)؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ بِهَا مَا يَقْتُلُ غَالِبًا (فَلَا يُسَنُّ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ) كَالْغَالِّ مِنْ الْغَنِيمَةِ، [(وَ) أَمَّا إمْسَاكُ] الْحَيَّةِ (مَعَ ظَنِّ أَنَّهَا لَا تَقْتُلُ؛ فَشِبْهُ عَمْدٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَكَلَ حَتَّى بَشِمَ) فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ شَيْءٌ مِنْ دِيَتِهِ؛ لِأَنَّ قَاتِلَ نَفْسِهِ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ يَضِيعُ هَدَرًا، كَمَا لَوْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: وَنَظِيرُ ذَلِكَ كُلُّ مَا يَقْتُلُ غَالِبًا، مِنْ الْمَشْيِ فِي الْهَوَاءِ عَلَى الْحِبَالِ، وَالْجَرْيِ فِي الْمَوَاضِعِ الْبَعِيدَةِ، كَمَا يَفْعَلُهُ أَرْبَابُ الْبَطَالَةِ وَالشَّطَارَةِ، وَيَحْرُمُ أَيْضًا إعَانَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَإِقْرَارُهُمْ عَلَيْهِ. (وَمَنْ أُرِيدَ قَتْلُهُ قَوَدًا بِبَيِّنَةٍ) بِالْقَتْلِ لَا بِإِقْرَارِهِ (فَقَالَ شَخْصٌ: أَنَا الْقَاتِلُ لَا هَذَا؛ فَلَا قَوَدَ) عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَعَلَى مُقِرٍّ الدِّيَةُ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا ذَبَحَ رَجُلًا فِي خَرِبَةٍ، وَتَرَكَهُ وَهَرَبَ، وَكَانَ قَصَّابٌ قَدْ ذَبَحَ شَاةً، وَأَرَادَ ذَبْحَ الْأُخْرَى فَهَرَبَتْ مِنْهُ إلَى الْخَرِبَةِ، فَتَبِعَهَا حَتَّى وَقَفَ عَلَى الْقَتِيلِ، وَالسِّكِّينُ بِيَدِهِ مُلَطَّخَةٌ بِالدَّمِ، فَأُخِذَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، وَجِيءَ بِهِ إلَى عُمَرَ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ الْقَاتِلُ فِي نَفْسِهِ: يَا وَيْلَهُ قَتَلْتُ نَفْسًا، وَيُقْتَلُ بِسَبَبِي آخَرُ، فَقَامَ فَقَالَ: أَنَا قَتَلْتُهُ، وَلَمْ يَقْتُلْهُ هَذَا، فَقَالَ عُمَرُ: إنْ كَانَ قَدْ قَتَلَ نَفْسًا فَقَدْ أَحْيَا نَفْسًا، وَدَرَأَ عَنْهُ الْقِصَاصَ؛ وَلِأَنَّ الدَّعْوَى عَلَى الْأَوَّلِ شُبْهَةٌ فِي دَرْءِ الْقِصَاصِ عَنْ الثَّانِي؛ فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ؛ لِإِقْرَارِهِ بِالْقَتْلِ الْمُوجِبِ لَهَا (وَلَوْ أَقَرَّ الثَّانِي بَعْدَ إقْرَارِ الْأَوَّلِ؛ قُتِلَ الْأَوَّلُ) لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَمُصَادَفَتِهِ الدَّعْوَى.
(وَ) فِي الْمُغْنِي (لَا شَيْءَ عَلَى الْمُقِرِّ الثَّانِي، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْوَلِيُّ بَطَلَتْ دَعْوَاهُ الْأُولَى) لِأَنَّ ذَلِكَ جَرَى مَجْرَى الْإِقْرَارِ بِبُطْلَانِ الدَّعْوَى، وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ عَنْهُمَا، وَلَهُ مُطَالَبَةُ الثَّانِي بِالدِّيَةِ عَلَى الْمَنْصُوصِ انْتَهَى.

.فَصْلٌ: [قَتلُ الْعَدَدِ بِوَاحِدٍ]:

(وَيُقْتَلُ الْعَدَدُ)؛ أَيْ: مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ (بِوَاحِدٍ) قَتَلُوهُ (إنْ صَلَحَ فِعْلُ كُلٍّ) مِنْهُمْ (لِلْقَتْلِ بِهِ) لَوْ انْفَرَدَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَتَى قُتِلَ بِهِ انْفَكَّ عَنْهُ، فَلَوْ لَمْ يُشْرَعْ الْقِصَاصُ فِي الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ لَبَطَلَتْ الْحِكْمَةُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْقِصَاصِ، وَلِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. فَرَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ قَتَلَ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ قَتَلُوا رَجُلًا وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ؛ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ تَجِبُ لِلْوَاحِدِ عَلَى الْوَاحِدِ؛ فَوَجَبَتْ عَلَى الْجَمَاعَةِ كَحَدِّ الْقَذْفِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ قَتْلِ الْجَمَاعَةِ وَالدِّيَةِ، أَنَّ الدَّمَ لَا يَتَبَعَّضُ بِخِلَافِ الدِّيَةِ (وَإِلَّا) يَصْلُحْ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ لِلْقَتْلِ بِهِ (وَلَا تَوَاطُؤَ)؛ أَيْ: تَوَافُقَ عَلَى قَتْلِهِ، بِأَنْ ضَرَبَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِحَجَرٍ صَغِيرٍ حَتَّى مَاتَ، وَلَمْ يَكُونُوا اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ، (فَلَا) قِصَاصَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مَا يُوجِبُهُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَإِنْ تَوَاطَئُوا عَلَيْهِ؛ قُتِلُوا بِهِ؛ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّنَازُعِ إلَى الْقَتْلِ بِهِ، وَتَفُوتُ حِكْمَةُ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ عَنْ الْقَتْلِ. (وَلَا يَجِبُ) عَلَيْهِمْ (مَعَ عَفْوٍ) عَنْ قَوَدٍ (أَكْثَرُ مِنْ دِيَةٍ) لِأَنَّ الْقَتِيلَ وَاحِدٌ؛ فَلَا يَلْزَمُهُمْ أَكْثَرُ مِنْ دِيَتِهِ، كَمَا لَوْ قَتَلُوهُ خَطَأً. (وَإِنْ جَرَحَ وَاحِدٌ) شَخْصًا (جُرْحًا وَ) جَرَحَهُ (آخَرُ مِائَةً)، وَمَاتَ، أَوْ أَوْضَحَهُ أَحَدُهُمَا، وَشَجَّهُ آمَّةً، أَوْ جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا، وَأَجَافَهُ الْآخَرُ (فـَ) هُمَا (سَوَاءٌ فِي الْقَتْلِ)؛ أَيْ: فِي الْقِصَاصِ (وَالدِّيَةِ) لِصَلَاحِيَةِ فِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْقَتْلِ لَوْ انْفَرَدَ، وَزَهُوقُ نَفْسِهِ حَصَلَ بِفِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالزَّهُوقُ لَا يَتَبَعَّضُ لِيُقْسَمَ عَلَى الْفِعْلِ، وَلَوْ اعْتَبَرْنَا التَّسَاوِيَ؛ لِإِفْضَاءِ سُقُوطِ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُشْتَرَكِينَ؛ إذْ لَا يَكَادُ جُرْحَانِ يَتَسَاوَيَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (وَإِنْ جَرَحَهُ ثَلَاثَةٌ) بِأَنْ قَطَعَ وَاحِدٌ يَدَهُ، وَآخَرُ رِجْلَهُ، وَأَوْضَحَهُ الثَّالِثُ، فَمَاتَ؛ فَلِلْوَلِيِّ قَتْلُ جَمِيعِهِمْ؛ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْقَتْلِ، وَلَهُ الْعَفْوُ عَنْهُمْ إلَى الدِّيَةِ، فَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَهَا، وَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَيَأْخُذَ مِنْهُ ثُلُثَ الدِّيَةِ، وَيَقْتُلَ الْآخَرَيْنِ، وَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ اثْنَيْنِ، فَيَأْخُذَ مِنْهُمَا ثُلُثَيْهَا، وَيَقْتُلَ الثَّالِثَ، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْقَتْلِ، (فـَ) إنْ (بَرِئَ جُرْحُ أَحَدِهِمْ، وَمَاتَ) الْمَجْرُوحُ (مِنْ الْجُرْحَيْنِ الْآخَرَيْنِ؛ فَلِوَلِيٍّ قَوَدٌ مِمَّنْ بَرِئَ جُرْحُهُ بِمِثْلِهِ)؛ أَيْ: بِمِثْلِ جُرْحِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَشْرُكْهُ أَحَدٌ (وَقَتَلَ الْآخَرَيْنِ)؛ لِانْفِرَادِهِمَا بِالْقَتْلِ (أَوْ) قَتَلَ (أَحَدَهُمَا، وَأَخَذَ مِنْ الْآخَرِ نِصْفَ الدِّيَةِ)، وَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ الَّذِي بَرِئَ جُرْحُهُ، وَيَأْخُذَ مِنْهُ دِيَةَ جُرْحِهِ، ثُمَّ يَفْعَلَ مَعَ الْآخَرَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمْ)؛ أَيْ: الْجَارِحَيْنِ (بُرْءَ جُرْحِهِ فَكَذَّبَهُ وَلِيٌّ) فِي دَعْوَاهُ أَنْ جُرْحَهُ بَرِئَ قَبْلَ مَوْتِ مَجْرُوحٍ؛ (فـَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ)؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (وَإِلَّا) يُكَذِّبْهُ الْوَلِيُّ بَلْ صَدَّقَهُ؛ ثَبَتَ حُكْمُ الْبُرْءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَلِيِّ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَ(لَمْ يَمْلِكْ قَتْلَهُ [وَلَا] طَلَبَهُ بِثُلُثِ الدِّيَةِ)؛ لِاعْتِرَافِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، (بَلْ) لِلْوَلِيِّ الطَّلَبُ (بِأَرْشِ الْجُرْحِ أَوْ الْقَوَدِ) بِأَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ مِثْلَ فِعْلِهِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْجَارِحِ، وَلَا الْوَلِيِّ الْمُصَدِّقِ لَهُ فِي حَقِّ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ اخْتَارَ الْوَلِيُّ الْقِصَاصَ فَلَهُ قَتْلُهُمَا، كَمَا لَوْ لَمْ يَدَّعِ الْجَارِحُ ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَارَ الدِّيَةَ لَمْ يَلْزَمْهُمَا أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثَيْهَا كَمَا لَوْ لَمْ يَدَّعِ الْبُرْءَ. (وَإِنْ شَهِدَ) لَهُ (شَرِيكَاهُ بِبُرْءِ جُرْحِهِ لَزِمَهُمَا الدِّيَةُ كَامِلَةً) لِأَنَّ ذَلِكَ مُوجِبُ شَهَادَتِهِمَا، فَيُؤَاخَذَانِ بِهِ، وَتُؤْخَذُ الدِّيَةُ مِنْهُمَا (إنْ صَدَّقَهُمَا وَلِيٌّ، وَإِلَّا) يُصَدِّقْهُمَا وَلِيٌّ (فَثُلُثَاهَا)، وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِشَرِيكِهِمَا فِي الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْفَعُ عَنْهُمَا ضَرَرًا، وَلَا تَجْلِبُ نَفْعًا، وَمَحَلُّ قَبُولِهَا إنْ كَانَا قَدْ تَابَا وَعَدَلَا، وَإِلَّا فَشَهَادَةُ الْفَاسِقِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ؛ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ؛ لِعَدَمِ سِرَايَةِ جُرْحِهِ، وَيَتَعَيَّنُ أَرْشُ الْجُرْحِ دُونَ الْقِصَاصِ مَعَ تَكْذِيبِ الْوَلِيِّ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ. (وَإِنْ قَطَعَ وَاحِدٌ) يَدَهُ (مِنْ كُوعٍ ثُمَّ) قَطَعَ (آخَرُ مِنْ مِرْفَقٍ)، فَمَاتَ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ (فَإِنْ كَانَ قَدْ بَرِئَ الْأَوَّلُ) قَبْلَ قَطْعِ الثَّانِي (فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي) لِأَنَّ جِنَايَةَ الْأَوَّلِ قَدْ انْقَطَعَتْ سِرَايَتُهَا بِالِانْدِمَالِ؛ فَيُخَيَّرُ الْوَلِيُّ فِي الثَّانِي بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ (وَإِلَّا) يَبْرَأْ الْأَوَّلُ قَبْلَ قَطْعِ الثَّانِي (فَهُمَا) سَوَاءٌ فِي الْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُمَا قَطْعَانِ مَاتَ بَعْدَهُمَا؛ فَوَجَبَ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ، كَمَا لَوْ كَانَا فِي يَدَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا انْدَمَلَ الْأَوَّلُ لِزَوَالِ أَلِمِهِ. (وَإِنْ فَعَلَ وَاحِدٌ مَا)؛ أَيْ: فِعْلًا (لَا تَبْقَى مَعَهُ حَيَاةٌ) عَادَةً (كَقَطْعِ حَشْوَتِهِ)؛ أَيْ: إبَانَةِ أَمْعَائِهِ (لَا خَرْقِهَا) فَقَطْ مِنْ غَيْرِ إبَانَةٍ (أَوْ قَطْعِ مَرِيئَهُ)؛ أَيْ: مَجْرَى الطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ (أَوْ) قَطْعِ (وَدَجَيْهِ)؛ أَيْ: الْعِرْقَيْنِ فِي جَانِبِ الْعُنُقِ (ثُمَّ ذَبَحَهُ آخَرُ فَالْقَاتِلُ) هُوَ (الْأَوَّلُ)؛ لِفِعْلِهِ مَا لَا تَبْقَى مَعَهُ الْحَيَاةُ شَيْئًا مِنْ الزَّمَانِ (وَيُضَرَّرُ الثَّانِي كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى مَيِّتٍ)؛ لِانْتِهَاكِهِ حُرْمَتَهُ (وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ)؛ أَيْ: الْمَفْعُولِ بِهِ مَا لَا تَبْقَى مَعَهُ حَيَاةٌ (لَوْ كَانَ قِنًّا) فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَيِّتِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ كَصَحِيحٍ فِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ وَارِثُهُ، وَاعْتِبَارُ كَلَامِهِ فِي غَيْرِ تَبَرُّعٍ، عَايَنَ الْمِلْكَ أَوْ لَا. (وَإِنْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ مِنْ شَاهِقٍ، فَتَلَقَّاهُ الثَّانِي بِمُحَدَّدٍ، فَقَدَّهُ) فَهُوَ الْقَاتِلُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ حَيَاتَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى حَالٍ يَيْأَسُ فِيهَا مِنْ حَيَاتِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ رَمَاهُ وَاحِدٌ بِسَهْمٍ قَاتِلٍ فَقَطَعَ آخَرُ عُنُقَهُ قَبْلَ وُقُوعِ السَّهْمِ بِهِ، أَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ صَخْرَةً فَأَطَارَ آخَرُ رَأْسَهُ قَبْلَ وُقُوعِهَا عَلَيْهِ (أَوْ شَقَّ الْأَوَّلُ بَطْنَهُ) أَوْ خَرَقَ أَمْعَاءَهُ؛ أَوْ أُمَّ دِمَاغِهِ، ثُمَّ ذَبَحَهُ الثَّانِي؛ فَهُوَ الْقَاتِلُ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ الْأَوَّلَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ حُكْمِ الْحَيَاةِ، وَتَبْقَى مَعَهُ الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ (أَوْ قَطَعَ) الْأَوَّلُ (طَرَفَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ الثَّانِي؛ فَهُوَ الْقَاتِلُ) لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ الْأَوَّلُ تَبْقَى مَعَهُ الْحَيَاةُ بِخِلَافِ الثَّانِي (وَعَلَى الْأَوَّلِ مُوجَبُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (جِرَاحَتِهِ)؛ أَيْ: الْأَرْشِ الَّذِي تُوجِبُهُ جِرَاحَتُهُ عَلَى مَا يَأْتِي مُفَصَّلًا؛ لِتَعَدِّيهِ بِهَا. (وَمِنْ رُمِيَ) بِضَمِّ الرَّاءِ (فِي لُجَّةٍ فَتَلَقَّاهُ حُوتٌ) أَوْ تِمْسَاحٌ، فَابْتَلَعَهُ أَوْ قَتَلَهُ (فَالْقَوَدُ عَلَى رَامِيهِ) مَعَ كَثْرَةِ الْمَاءِ؛ لِإِبْقَائِهِ إيَّاهُ فِي مُهْلِكَةٍ هَلَكَ بِهَا بِلَا وَاسِطَةٍ يُمْكِنُ إحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَيْهَا؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ مَاتَ بِالْغَرَقِ، أَوْ هَلَكَ بِوُقُوعِهِ عَلَى صَخْرَةٍ، أَوْ أَلْقَاهُ فِي نَارٍ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهَا (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَى الرَّامِي إنْ كَانَ الْمَرْمِيُّ (غَيْرَ سَابِحٍ) أَمَّا إذَا كَانَ مُتْقِنًا لِصَنْعَةِ السِّبَاحَةِ، وَلَمْ يُبَادِرْ بِالْخُرُوجِ حَتَّى هَلَكَ؛ فَلَا قَوَدَ عَلَى رَامِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى تَخْلِيصِ نَفْسِهِ؛ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَكَانَ مُفَرِّطًا. (أَوْ رَمَاهُ لِحَرْبِيٍّ لِقَتْلٍ)؛ أَيْ: لِيَقْتُلَ الْحَرْبِيُّ ذَلِكَ الْمَرْمِيَّ (فَقَتَلَهُ) الْحَرْبِيُّ؛ فَالْقَوَدُ عَلَى رَامِيهِ دُونَ الْحَرْبِيِّ، إذْ الْحَرْبِيُّ مُهْدَرُ الدَّمِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، بِخِلَافِ لَوْ رَمَاهُ لِغَيْرِ حَرْبِيٍّ لِقَتْلٍ فَقَتَلَهُ، فَالْقَوَدُ عَلَى قَاتِلِهِ دُونَ رَامِيهِ؛ لِأَنَّ الرَّامِيَ هُنَا مُتَسَبِّبٌ، وَالْقَاتِلَ مُبَاشِرٌ، وَيُحْبَسُ الرَّامِي حَتَّى يَمُوتَ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَ الْمَقْتُولَ بِرَمْيِهِ لَهُ إلَى أَنْ مَاتَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَعَ قِلَّةِ الْمَاءِ إنْ عَلِمَ) رَامِيهِ (بِالْحُوتِ) أَوْ التِّمْسَاحِ (فَكَذَلِكَ)؛ أَيْ: عَلَيْهِ الْقَوَدُ؛ لِمَا سَبَقَ (وَإِلَّا) يَعْلَمْ الرَّامِي بِالْحُوتِ مَعَ قِلَّةِ الْمَاءِ؛ فَالدِّيَةُ (أَوْ أَلْقَاهُ مَكْتُوفًا بِفَضَاءٍ غَيْرِ مُسْبِعٍ، فَمَرَّتْ بِهِ دَابَّةٌ، فَقَتَلَتْهُ؛ [فَالدِّيَةُ]) وَلَا قَوَدَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا. (وَمَنْ أَكْرَهَ مُكَلَّفًا عَلَى قَتْلِ) شَخْصٍ (مُعَيَّنٍ) فَفَعَلَ، فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الْقَوَدُ، (أَوْ) أَكْرَهَهُ (عَلَى أَنْ يُكْرَهَ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: عَلَى قَتْلِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ (فَفَعَلَ؛ فَعَلَى كُلٍّ) مِنْ الثَّلَاثَةِ (الْقَوَدُ) أَمَّا الْآمِرُ فَلِتَسَبُّبِهِ إلَى الْقَتْلِ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا، كَمَا لَوْ أَنْهَشَهُ حَيَّةً أَوْ أَسَدًا أَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ، وَأَمَّا الْقَاتِلُ؛ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَسْلُوبِ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ اسْتِبْقَاءَ نَفْسِهِ بِقَتْلِ غَيْرِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَأْثَمُ، وَلَوْ كَانَ مَسْلُوبَ الِاخْتِيَارِ لَمْ يَأْثَمْ كَالْمَجْنُونِ، (وَ) إنْ كَانَ الَّذِي أُكْرِهَ (عَلَى) قَتْلِهِ (غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَ) قَوْلِهِ: اُقْتُلْ (هَذَا أَوْ هَذَا؛ فَلَا إكْرَاهَ) فَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَحْدَهُ، (وَ) قَوْلُ قَادِرٍ عَلَى مَا هَدَّدَ بِهِ غَيْرَهُ (اُقْتُلْ نَفْسَك، وَإِلَّا قَتَلْتُك، إكْرَاهٌ) عَلَى الْقَتْلِ؛ فَيُقْتَلُ بِهِ إنْ قَتَلَ نَفْسَهُ كَمَا لَوْ أَكْرَهَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ. (وَمَنْ أَمَرَ بِالْقَتْلِ مُكَلَّفًا يَجْهَلُ تَحْرِيمَهُ)؛ أَيْ: الْقَتْلِ كَمَنْ نَشَأَ فِي غَيْرِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَقَتَلَ؛ فَالْقِصَاصُ عَلَى الْآمِرِ، [أَجْنَبِيًّا كَانَ الْمَأْمُورُ] أَوْ عَبْدًا لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ، لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِحَظْرِ الْقَتْلِ؛ فَهُوَ مُعْتَقِدٌ إبَاحَتَهُ، وَذَلِكَ شُبْهَةٌ تَمْنَعُ الْقِصَاصَ، كَمَا لَوْ اعْتَقَدَهُ صَيْدًا فَرَمَاهُ فَقَتَلَ إنْسَانًا، وَلِأَنَّ حِكْمَةَ الْقِصَاصِ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي مُعْتَقِدِ الْإِبَاحَةِ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ، وَجَبَ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ آلَةٌ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ؛ فَوَجَبَ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ، كَمَا لَوْ أَنْهَشَهُ حَيَّةً فَقَتَلَتْهُ، وَيُفَارِقُ هَذَا مَا إذَا عَلِمَ حَظْرَ الْقَتْلِ؛ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَكُونُ عَلَى الْمَأْمُورِ؛ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَتْلَ، فَانْقَطَعَ حُكْمُ الْآمِرِ كَالدَّافِعِ مَعَ الْحَافِرِ. (أَوْ) أَمَرَ بِالْقَتْلِ (صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا) فَقَتَلَ؛ لَزِمَ الْقِصَاصُ الْآمِرَ لِمَا تَقَدَّمَ. (أَوْ أَمَرَ بِهِ)؛ أَيْ: الْقَتْلِ [(سُلْطَانٌ ظُلْمًا مَنْ جَهِلَ ظُلْمَهُ فِيهِ)؛ أَيْ: الْقَتْلِ] (لَزِمَ الْآمِرَ فَقَطْ الْقَوَدُ) دُونَ الْمُبَاشِرِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ مَعْذُورٌ؛ لِوُجُوبِ طَاعَةِ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْمُرُ إلَّا بِالْحَقِّ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: هَذَا بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ السُّلْطَانِ فِي الْقَتْلِ الْمَجْهُولِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ لَا يُطَاعُ حَتَّى يَعْلَمَ جَوَازَ قَتْلِهِ، وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ الطَّاعَةُ لَهُ مَعْصِيَةً، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالظُّلْمِ، فَهَذَا الْجَهْلُ بِعَدَمِ الْحِلِّ كَالْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ (وَإِنْ عَلِمَ) الْمَأْمُورُ (الْمُكَلَّفُ تَحْرِيمَهُ)؛ أَيْ: الْقَتْلِ (لَزِمَهُ) الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ فِي فِعْلِهِ؛ لِحَدِيثِ: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ»، وَحَدِيثِ: «مَنْ أَمَرَكُمْ مِنْ الْوُلَاةِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلَا تُطِيعُوهُ»، وَسَوَاءٌ كَانَ الْآمِرُ السُّلْطَانَ أَوْ غَيْرَهُ.
(وَ) حَيْثُ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمَأْمُورِ (أُدِّبَ آمِرُهُ) بِمَا يَرْدَعُهُ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ؛ لِيَنْكَفَّ عَنْ الْعَوْدِ لَهُ. (وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ يَرَى الْقَتْلَ دُونَ مَأْمُورٍ، كَمُسْلِمٍ قَتَلَ ذِمِّيًّا، وَحُرٍّ) قَتَلَ (عَبْدًا) فَقَتَلَهُ، (فـَ) قَالَ الْقَاضِي: (الضَّمَانُ عَلَى الْمَأْمُورِ)؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ.
قَالَ الْمُوَفَّقُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْقَاتِلُ (عَامِّيًّا) فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي: يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِ، وَالْمُقَلِّدِ فَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فَهُوَ كَقَوْلِ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ تَقْلِيدَ الْإِمَامِ فِيمَا رَآهُ (وَعَكْسُهُ) بِأَنْ كَانَ الْإِمَامُ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الْقَتْلِ، وَالْقَاتِلُ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ؛ (فـَ) الضَّمَانُ (عَلَى الْآمِرِ) كَمَا لَوْ أَمَرَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الَّذِي لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الْقَتْلِ بِهِ. (وَمَنْ دَفَعَ لِغَيْرِ مُكَلَّفٍ) كَصَغِيرٍ، وَمَجْنُونٍ (آلَةَ قَتْلٍ) كَسَيْفٍ، وَسِكِّينٍ (وَلَمْ يَأْمُرْهُ) الدَّافِعُ (بِهِ)؛ أَيْ: الْقَتْلِ (فَقَتَلَ) بِالْآلَةِ (لَمْ يَلْزَمْ الدَّافِعَ) لِلْآلَةِ (شَيْءٌ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِالْقَتْلِ، وَلَمْ يُبَاشِرْهُ، فَإِنْ أَمَرَهُ بِالْقَتْلِ فَقَتَلَ، قُتِلَ الْآمِرُ، وَتَقَدَّمَ. (وَإِنْ وَقَعَ هُوَ)؛ أَيْ: غَيْرُ الْمُكَلَّفِ (عَلَيْهِ)؛ أَيْ: عَلَى مَا دُفِعَ إلَيْهِ مِنْ السِّلَاحِ (فَعَلَى عَاقِلَةِ دَافِعِ) ذَلِكَ (الدِّيَةُ) كَالْخَطَإِ (كَذَا قِيلَ)؛ أَيْ: قَالَ شَارِحُ الْمُنْتَهَى فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ. وَفُهِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ إتْلَافَ الصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ، وَالسَّفِيهِ لِمَا أُودِعُوهُ هَدَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ سَلَّطَهُمْ عَلَى مَالِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ لِصَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ سِكِّينًا فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَمَاتَ؛ كَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الدَّافِعِ انْتَهَى.
، وَكَأَنَّهُ قَاسَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَأْتِي فِي الدِّيَاتِ: فِيمَنْ أَرْكَبَ صَغِيرَيْنِ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا، فَاصْطَدَمَا فَمَاتَا؛ فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ أَرْكَبَهُمَا، وبِهَذَا الْوَجْهِ جَزَمَ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ دِيَتَهُمَا فِي مَالِ مَنْ أَرْكَبَهُمَا؛ لِتَعَدِّيهِ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّ تَصَادُمَهُمَا إثْرَ رُكُوبِهِمَا، وَفِعْلُهُمَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، فَوَجَبَ إضَافَةُ الْقَتْلِ إلَى مَنْ أَرْكَبَهُمَا. (وَمَنْ أَمَرَ قِنَّ غَيْرِهِ بِقَتْلِ قِنٍّ نَفْسِهِ) فَفَعَلَ (أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: عَلَى قَتْلِ قِنٍّ نَفْسِهِ، فَفَعَلَ (فَلَا شَيْءَ لَهُ)؛ أَيْ: الْآمِرَ فِي نَظِيرِ قِنِّهِ مِنْ قِصَاصٍ، وَلَا قِيمَةٍ؛ لِإِذْنِهِ فِي إتْلَافِ مَالِهِ، كَمَا لَوْ أَذِنَهُ فِي أَكْلِ طَعَامِهِ (وَ) مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: (اُقْتُلْنِي) فَفَعَلَ فَهَدَرٌ، (أَوْ) قَالَ لَهُ: (اجْرَحْنِي.، وَيَتَّجِهُ لَا). إنْ كَانَ قَوْلُهُ لَهُ: اُقْتُلْنِي أَوْ اجْرَحْنِي (هُزُؤًا، أَوْ) كَانَ قَوْلُهُ لَهُ ذَلِكَ؛ (مَزْحًا)، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فَفَعَلَ فَهَدَرٌ) نَصًّا؛ لِإِذْنِهِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، فَسَقَطَ حَقُّهُ مِنْهَا، كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِإِلْقَاءِ مَتَاعِهِ فِي الْبَحْرِ فَفَعَلَ (وَيَأْثَمُ) مَقُولٌ لَهُ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ، وَ(كـَ) ذَا لَوْ قَالَ لَهُ: (اُقْتُلْنِي) أَوْ اجْرَحْنِي (و إلَّا قَتَلْتُك) فَفَعَلَ؛ فَهَدَرٌ (وَلَا إثْمَ هُنَا)؛ أَيْ: فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (وَلَا كَفَّارَةَ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِيهِ، وَقَدْ أَذَنَهُ فِي إتْلَافِهِ، كَمَا لَوْ أَذِنَهُ فِي إتْلَافِ مَالِهِ. (وَلَوْ قَالَهُ)؛ أَيْ: اُقْتُلْنِي أَوْ اجْرَحْنِي، وَإِلَّا قَتَلْتُك (قِنٌّ) فَفَعَلَ الْمَقُولُ لَهُ (ضَمِنَ)؛ أَيْ: ضَمِنَهُ الْقَاتِلُ (لِسَيِّدِهِ بِقِيمَتِهِ) أَوْ أَرْشِ جِرَاحَتِهِ؛ لِأَنَّ إذْنَ الْقِنِّ فِي إتْلَافِ نَفْسِهِ لَا يَسْرِي عَلَى سَيِّدِهِ.

.فَصْلٌ: [مَنْ أَمْسَكَ إنْسَانًا لِآخَرَ لِيَقْتُلَهُ]:

(وَمَنْ أَمْسَكَ إنْسَانًا لِآخَرَ لِيَقْتُلَهُ، لَا لِلَعِبٍ، وَنَحْوِهِ) كَضَرْبٍ (فَقَتَلَهُ، أَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ، فَمَاتَ، أَوْ فَتَحَ فَمَهُ حَتَّى سَقَاهُ) الْآخَرُ (سُمًّا) فَمَاتَ (قُتِلَ قَاتِلٌ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مَنْ يُكَافِئُهُ عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ (وَحُبِسَ مُمْسِكٌ حَتَّى يَمُوتَ) عَلَى الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيِّ وَالْوَجِيزُ وَالْمُنَوِّرُ، وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ، وَغَيْرُهُمْ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَاتِهِمْ وَالشِّيرَازِيُّ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، (وَ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ (يُطْعَمُ وَيُسْقَى) خِلَافًا لِلْمُبْدِعِ، وَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ، وَلَا دِيَةَ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «إذَا أَمْسَكَ الرَّجُلَ، وَقَتَلَهُ الْآخَرُ؛ يُقْتَلُ الَّذِي قَتَلَ، وَيُحْبَسُ الَّذِي أَمْسَكَ» وَلِأَنَّهُ حَبَسَ إلَى الْمَوْتِ فَيُحْبَسُ الْآخَرُ إلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ الْمُمْسِكُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ)؛ أَيْ: الْقَاتِلَ (يَقْتُلُهُ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ مَوْتَهُ لَيْسَ بِفِعْلِهِ، وَلَا بِأَثَرِ فِعْلِهِ، بِخِلَافِ الْجَارِحِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ قَصْدُ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ أَثَرُ جُرْحِهِ الْمَقْصُودِ لَهُ. (وَمَنْ قَطَعَ طَرَفَ هَارِبٍ مِنْ الْقَتْلِ ظُلْمًا، فَحُبِسَ حَتَّى أَدْرَكَهُ قَاتِلُهُ) فَقَتَلَهُ (أُقِيدَ مِنْهُ) فِي طَرَفِهِ، سَوَاءٌ حَبَسَهُ لِيَقْتُلَهُ الْآخَرُ أَوْ لَا (وَهُوَ)؛ أَيْ: قَاطِعُ الطَّرَفِ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ (فِي النَّفْسِ كَمُمْسِكٍ) إنْسَانًا لِآخَرَ حَتَّى قَتَلَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَبَسَهُ لِلْقَتْلِ صَارَ كَأَنَّهُ أَمْسَكَهُ حَتَّى قَتَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ حَبْسَهُ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ فَقَطْ، كَمَنْ أَمْسَكَ إنْسَانًا لِآخَرَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ، فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ اعْتَبَرْتُمْ قَصْدَ الْإِمْسَاكِ لِلْقَتْلِ ولَمْ تَعْتَبِرُوا إرَادَةَ الْقَتْلِ فِي الْجَارِحِ؟ قُلْنَا: إذَا مَاتَ مِنْ الْجُرْحِ فَقَدْ مَاتَ مِنْ سِرَايَتِهِ، وَأَثَرِهِ؛ فَيُعْتَبَرُ قَصْدُ الْجُرْحِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ دُونَ قَصْدِ الْأَثَرِ. وَفِي مَسْأَلَتِنَا إنَّمَا كَانَ مَوْتُهُ بِأَمْرٍ غَيْرِ السِّرَايَةِ، وَالْفِعْلُ مُمْكِنٌ لَهُ، فَاعْتُبِرَ قَصْدُهُ لِذَلِكَ الْفِعْلِ، كَمَا لَوْ أَمْسَكَهُ (وَلَوْ قَتَلَ الْوَلِيُّ الْمُمْسِكَ فَقَالَ الْقَاضِي): يَجِبُ (عَلَيْهِ الْقِصَاصُ)؛ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ قَتْلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فِي قَتْلِهِ (وَخَالَفَهُ الْمَجْدُ) لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةً فِي قَتْلِهِ، وَهِيَ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ (وَهُوَ حَسَنٌ)، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُقْتَلُ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْجَوْزِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَادَّعَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ حَصَلَ بِفِعْلِهِمَا. (وَإِنْ اشْتَرَكَ عَدَدٌ فِي قَتْلٍ لَا يُقَادُ بِهِ الْبَعْضُ) الْمُشَارِكُ (لَوْ انْفَرَدَ) بِالْقَتْلِ (كَحُرٍّ، وَقِنٍّ) اشْتَرَكَا (فِي قَتْلِ قِنٍّ، وَكَمُسْلِمٍ، وَكَافِرٍ) اشْتَرَكَا (فِي قَتْلِ كَافِرٍ، وَكَأَبٍ)، وَأَجْنَبِيٍّ فِي قَتْلِ وَلَدِهِ، (أَوْ، وَلِيٍّ مُقْتَصٍّ، وَأَجْنَبِيٍّ) لَا حَقَّ لَهُ فِي الْقِصَاصِ فِي قَتْلِ مَنْ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ (وَكَخَاطِئٍ، وَعَامِدٍ) اشْتَرَكَا فِي قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ (وَكَمُكَلَّفٍ، وَغَيْرِ مُكَلَّفٍ) اشْتَرَكَا فِي قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ مُكَلَّفٍ، وَ(سَبُعٍ، أَوْ) مُكَلَّفٍ، وَ(مَقْتُولٍ) اشْتَرَكَا فِي قَتْلِ نَفْسِهِ (فَالْقَوَدُ عَلَى قِنٍّ) شَارَكَ حُرًّا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ عَنْ الْحُرِّ؛ لِعَدَمِ مُكَافَأَةِ الْمَقْتُولِ لَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَعَدَّى إلَى فِعْلِ شَرِيكِهِ؛ فَلَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ عَنْهُ، (وَ) الْقَوَدُ أَيْضًا عَلَى (شَرِيكِ أَبٍ) فِي قَتْلِ وَلَدِهِ؛ لِمُشَارَكَتِهِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فِيمَنْ يُقْتَلُ بِهِ لَوْ انْفَرَدَ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ فِي حَقِّ الْأَبِ لِمَعْنًى مُخْتَصٍّ بِالْمَحَلِّ، لَا لِقُصُورٍ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ؛ فَلَا يُمْنَعُ عَمَلُهُ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي لَا مَانِعَ فِيهِ، وَمِثْلُ الْأَبِ الْأُمُّ، وَالْجَدُّ، وَالْجَدَّةُ، وَإِنْ عَلَوْا.
(وَ) الْقَوَدُ أَيْضًا عَلَى كَافِرٍ اشْتَرَكَ مَعَ (مُسْلِمٍ) فِي قَتْلِ كَافِرٍ (كـَ) مَا يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى (مُكْرَهٍ)، وَمُكْرَهَةٍ (أَبًا) أَوْ أُمًّا أَوْ جَدًّا أَوْ جَدَّةً (عَلَى قَتْلِ وَلَدِهِ)، وَإِنْ سَفَلَ، دُونَ الْأَبِ، وَنَحْوِهِ (وَعَلَى شَرِيكِ قِنٍّ) فِي قَتْلِ قِنٍّ (نِصْفُ قِيمَةِ) قِنٍّ (قَتِيلٍ) لِمُشَارَكَتِهِ فِي إتْلَافِهِ؛ فَلَزِمَهُ بِقِسْطِهِ (وَعَلَى شَرِيكِ غَيْرِ أَبٍ، وَقِنٍّ فِي) قَتْلِ (حُرٍّ نِصْفُ دِيَتِهِ، وَفِي) قَتْلِ (قِنٍّ نِصْفُ قِيمَتِهِ) كَالشَّرِيكِ فِي إتْلَافِ مَالٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْقَوَدُ عَلَى الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَتَمَحَّضْ عُدْوَانًا، فَلَمْ يُوجِبْ الْقِصَاصَ، وَإِنَّمَا لَزِمَ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِي إتْلَافٍ فَلَزِمَ الْقِسْطُ، لَكِنْ تَجِبُ فِي مَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ، وَأَمَّا النِّصْفُ الثَّانِي فَعَلَى عَاقِلَةِ الْخَاطِئِ، وَغَيْرِ الْمُكَلَّفِ فِي مَسْأَلَتِهِمَا. (وَمَنْ جُرِحَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (عَمْدًا، فَدَاوَاهُ)؛ أَيْ: دَاوَى الْمَجْرُوحُ جُرْحَهُ (بِسُمٍّ) قَاتِلٍ، فَمَاتَ فِي الْحَالِ؛ فَلَا قَوَدَ عَلَى جَارِحِهِ؛ لِقَتْلِهِ نَفْسَهُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ جُرِحَ فَذَبَحَ نَفْسَهُ، أَوْ جُرِحَ (فَخَاطَهُ فِي اللَّحْمِ الْحَيِّ) فَمَاتَ؛ فَكَذَلِكَ. (، وَيَتَّجِهُ) وَإِنْ خَاطَهُ غَيْرُ الْمَجْرُوحِ بِإِذْنِهِ فِي اللَّحْمِ الْحَيِّ، أَوْ دَاوَاهُ بِسُمٍّ (وَلَمْ يَتَعَمَّدْ) فَمَاتَ الْمَجْرُوحُ؛ فَلَا قَوَدَ عَلَى الْجَارِحِ، وَلَا الْخَائِطِ أَوْ الْمُدَاوِي؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ مُدَاوَاةَ النَّفْسِ، فَكَانَ فِعْلُهُ عَمْدَ خَطَأٍ كَشَرِيكِ الْخَاطِئِ، وَعَلَى الْجَارِحِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ خَاطَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ فَهُمَا قَاتِلَانِ عَلَيْهِمَا الْقَوَدُ (وَإِلَّا) بِأَنْ تَعَمَّدَ خَائِطٌ أَوْ مُدَاوٍ الْخِيَاطَةَ فِي اللَّحْمِ الْحَيِّ أَوْ الْمُدَاوَاةَ بِالسُّمِّ (قُتِلَا)؛ أَيْ: الْجَارِحُ أَوْ الْمُدَاوِي، أَوْ الْخَائِطُ؛ لِصَلَاحِيَةِ فِعْلِهِمَا الْقَتْلَ الْعَمْدَ الْعُدْوَانَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَلِيُّهُ)؛ أَيْ: دَاوَاهُ بِسُمٍّ قَاتِلٍ أَوْ خَاطَهُ فِي اللَّحْمِ الْحَيِّ؛ فَلَا قَوَدَ (أَوْ) فَعَلَ ذَلِكَ (الْحَاكِمُ فَمَاتَ) مِنْ ذَلِكَ (فَلَا قَتْلَ عَلَى جَارِحِهِ، وَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ) لِمَا تَقَدَّمَ (لَكِنْ إنْ أَوْجَبَ الْجُرْحُ قِصَاصًا اُسْتُوْفِيَ)؛ أَيْ: اسْتَوْفَاهُ، وَلِيُّهُ مِنْ جَارِحِهِ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ عَمْدَهُ يُوجِبُ الْقَوَدَ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ أَخْذِ أَرْشِهِ (وَإِلَّا) يُوجِبْ الْجُرْحُ قِصَاصًا (أَخَذَ) الْوَارِثُ (أَرْشَهُ) إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ.

.(شُرُوطُ الْقِصَاصِ):

أَيْ: الْقَوَدِ، وَهِيَ (أَرْبَعَةٌ) بِالِاسْتِقْرَاءِ:

.[الشرطُ الأولُ: تَكْلِيفُ قَاتِلٍ]:

(أَحَدُهَا: تَكْلِيفُ قَاتِلٍ) بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا قَاصِدًا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ مُغَلَّظَةٌ، فَلَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَصَغِيرٍ، وَمَجْنُونٍ، وَمَعْتُوهٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ قَصْدٌ صَحِيحٌ، كَقَاتِلٍ خَطَأً. (، وَيَتَّجِهُ، وَ) يُعْتَبَرُ (عِلْمُهُ)؛ أَيْ: الْقَاتِلِ (بِتَحْرِيمِ) الْقَتْلِ (فَلَا يُقْتَلُ قَرِيبُ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ) بِقَتْلِهِ مَعْصُومًا؛ لِاعْتِقَادِهِ إبَاحَتَهُ، وَذَلِكَ شُبْهَةٌ تَمْنَعُ الْقِصَاصَ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ صَرَّحَ فِي آخِرِ الْبَابِ بِمَا يُخَالِفُهُ فَلْيُتَفَطَّنْ لَهُ.

.[الشرطُ الثاني: عِصْمَةُ مَقْتُولٍ]:

(ثَانِيهَا) أَيْ: الشُّرُوطِ (عِصْمَةُ مَقْتُولٍ) (وَلَوْ) كَانَ (مُسْتَحَقًّا دَمُهُ بِقَتْلٍ لِغَيْرِ قَاتِلِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا سَبَبَ فِيهِ يُبِيحُ دَمَهُ لِغَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ (فَالْقَاتِلُ لِحَرْبِيٍّ) لَا قَوَدَ، وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ، (أَوْ) الْقَاتِلُ (لِمُرْتَدٍّ قَبْلَ تَوْبَةٍ)؛ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ؛ أَشْبَهَ الْحَرْبِيَّ، لَا إنْ قُتِلَ الْمُرْتَدُّ بَعْدَ التَّوْبَةِ إنْ كَانَتْ (تُقْبَلُ) ظَاهِرًا؛ فَيُقْتَلُ قَاتِلُهُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ، (أَوْ) الْقَاتِلُ (لِزَانٍ مُحْصَنٍ، وَلَوْ قَبْلَ ثُبُوتِهِ)؛ أَيْ: الزِّنَا أَوْ الْإِحْصَانِ (عِنْدَ حَاكِمٍ) إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ زَنَى مُحْصَنًا بَعْدَ قَتْلِهِ؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ الَّتِي أَبَاحَتْ دَمَهُ قَبْلَ الثُّبُوتِ، وَبَعْدَهُ عَلَى السَّوَاءِ، (وَ) الْمُرَادُ إذَا (لَمْ يَتُبْ) قَبْلَ الْقَتْلِ، أَمَّا إذَا تَابَ قَبْلَ الْقَتْلِ فَيَصِيرُ مَعْصُومًا، وَيُقْتَلُ قَاتِلُهُ، وَهَذِهِ مِنْ زِيَادَاتِ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَصْلَيْهِ، وَهُوَ لَا طَائِلَ تَحْتَهَا؛ إذْ الْمَذْهَبُ، وَلَوْ تَابَ لَا يَعُودُ مَعْصُومًا بِالتَّوْبَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَ(لَا قَوَدَ، وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: الْقَاتِلَ (وَلَوْ أَنَّهُ)؛ أَيْ: الْقَاتِلَ (مِثْلُهُ)؛ أَيْ: مِثْلُ الْمَقْتُولِ فِي عَدَمِ الْعِصْمَةِ بِأَنْ قَتَلَ حَرْبِيٌّ حَرْبِيًّا، أَوْ مُرْتَدٌّ مُرْتَدًّا، أَوْ زَانٍ مُحْصَنٌ زَانِيًا مُحْصَنًا، أَوْ قَتَلَ مُرْتَدٌّ حَرْبِيًّا، وَعَكْسُهُ، وَلَا قِصَاصَ، وَلَا دِيَةَ، وَلَا كَفَّارَةَ بِقَتْلِ قَاطِعِ طَرِيقٍ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ فِي نَفْسٍ، وَلَا بِقَطْعِ طَرَفٍ لِوَاحِدٍ مِمَّنْ تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يُؤْخَذُ بِغَيْرِهِ فِي النَّفْسِ لَا يُؤْخَذُ بِهِ فِيمَا دُونَهَا (وَيُعَزَّرُ) لِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَعَ (غَيْرِ حَرْبِيٍّ) لِافْتِئَاتِهِ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ، أَمَّا الْحَرْبِيُّ فَلِأَنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ بِكُلِّ حَالٍ، أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ. (وَمَنْ قَطَعَ طَرَفَ مُرْتَدٍّ) فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ، (أَوْ) قَطَعَ طَرَفَ (حَرْبِيٍّ فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ) فَهَدَرٌ (أَوْ رَمَاهُ)؛ أَيْ: الْمُرْتَدُّ أَوْ الْحَرْبِيُّ (فَأَسْلَمَ) بَعْدَ رَمْيِهِ (ثُمَّ وَقَعَ بِهِ الرَّمْيُ) بَعْدَ إسْلَامِهِ (فَمَاتَ؛ فَهَدَرٌ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ مِنْ الْجَانِي بَعْدَ إسْلَامِهِ فِعْلٌ، وَإِنَّمَا الْمَوْتُ أَثَرُ فِعْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَكَذَا أَثَرُهُ (وَمَنْ قَطَعَ طَرَفًا أَوْ أَكْثَرَ) مِنْ طَرَفٍ (مِنْ مُسْلِمٍ، فَارْتَدَّ ثُمَّ مَاتَ) مُرْتَدًّا (فَلَا قَوَدَ) عَلَى الْقَاطِعِ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّهَا نَفْسُ مُرْتَدٍّ، وَلَا فِي الطَّرَفِ؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ صَارَ قَتْلًا لَمْ يَجِبْ بِهِ قَتْلٌ؛ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ الْقَطْعُ، كَمَا لَوْ قَطَعَهُ مِنْ غَيْرِ مِفْصَلٍ (وَعَلَيْهِ)؛ أَيْ: الْجَانِي (الْأَقَلُّ مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ، أَوْ دِيَةِ مَا قَطَعَ) مِنْ طَرَفٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْتَدَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ، فَمَعَ الرِّدَّةِ أَوْلَى (يَسْتَوْفِيهِ)؛ أَيْ: مَا وَجَبَ بِذَلِكَ (الْإِمَامُ) جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. (وَيَتَّجِهُ) أَنْ يَكُونَ اسْتِيفَاءُ الْإِمَامِ (لِبَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّ مَالَ الْمُرْتَدِّ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ؛ فَاسْتِيفَاؤُهُ لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُمْ (وَلَوْ مَعَ) وُجُودِ (وَارِثِهِ الْمُسْلِمِ)؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ إرْثِهِ مِنْهُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ عَادَ) مُرْتَدٌّ بَعْدَ أَنْ جُرِحَ (لِلْإِسْلَامِ، وَلَوْ) كَانَ عَوْدُهُ إلَيْهِ (بَعْدَ زَمَنٍ تَسْرِي فِيهِ الْجِنَايَةُ)، وَمَاتَ مُسْلِمًا (فَكَمَا لَوْ لَمْ يَرْتَدَّ، فَيُقْتَلُ قَاتِلُهُ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ حَالَ الْجِنَايَةِ، وَالْمَوْتِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَرْتَدَّ، وَاحْتِمَالُ السِّرَايَةِ حَالَ الرِّدَّةِ لَا يُمْنَعُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ؛ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ السَّبَبِ الْمَعْلُومِ بِاحْتِمَالِ الْمَانِعِ، وَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ خَطَأً وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ نَفْسًا مَعْصُومَةً وَإِنْ جَرَحَهُ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَارْتَدَّ، أَوْ بِالْعَكْسِ، ثُمَّ جَرَحَهُ جُرْحًا آخَرَ، وَمَاتَ مِنْهُمَا؛ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْجُرْحَيْنِ غَيْرُ مَضْمُونٍ؛ أَشْبَهَ شَرِيكَ الْمُخْطِئِ، وَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ فِي الْحَالَيْنِ كَجُرْحِ اثْنَيْنِ فِي الْحَالَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، وَسَوَاءٌ تَسَاوَى الْجُرْحَانِ أَوْ زَادَ أَحَدُهُمَا؛ مِثْلَ أَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَقَطَعَ رِجْلَيْهِ، وَهُوَ مُرْتَدٌّ، أَوْ بِالْعَكْسِ وَلَوْ قَطَعَ طَرَفًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذِمِّيٍّ، ثُمَّ صَارَ حَرْبِيًّا، ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْجِرَاحَةِ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ لِغَيْرِ مَعْصُومٍ، وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ فِي الْمُسْلِمِ إذَا ارْتَدَّ، لَا قِصَاصَ، وَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ الْمَقْطُوعِ. قَطَعَ يَدَ نَصْرَانِيٍّ أَوْ يَهُودِيٍّ، فَتَمَجَّسَ، وَقُلْنَا: لَا يُقَرُّ؛ فَهُوَ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ. وَإِنْ قَطَعَ يَدَ مَجُوسِيٍّ، فَتَنَصَّرَ، أَوْ تَهَوَّدَ، ثُمَّ مَاتَ، وَقُلْنَا يُقَرُّ؛ وَجَبَتْ دِيَةُ كِتَابِيٍّ. وَلَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ عَبْدًا، ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَأُسِرَ، وَأُسْتَرَقّ لَمْ يُقْتَلْ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ حِينَ وَجَبَ الْقِصَاصُ.

.[الشَّرْطُ الثَّالِثُ: مُكَافَأَةُ الْمَقْتُولِ لِلْقَاتِلِ حَالَ الْجِنَايَةِ]:

الشَّرْطُ (الثَّالِثُ: مُكَافَأَةُ مَقْتُولٍ) لِقَاتِلٍ (حَالَ جِنَايَةٍ) لِأَنَّهُ وَقْتُ انْعِقَادِ السَّبَبِ، وَالْمُكَافَأَةِ (بِأَنْ لَا يَفْضُلَهُ)؛ أَيْ: الْمَقْتُولَ (قَاتِلُهُ بِإِسْلَامٍ أَوْ) يَفْضُلَهُ (بِحُرِّيَّةٍ أَوْ) يَفْضُلَهُ (بِمِلْكٍ). (فَيُقْتَلُ مُسْلِمٌ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ بِمِثْلِهِ)؛ أَيْ: فِي الْإِسْلَامِ، وَالْحُرِّيَّةِ أَوْ الرِّقِّ، وَلَوْ مُجْدَعَ الْأَطْرَافِ مَعْدُومَ الْحَوَاسِّ، وَالْقَاتِلُ صَحِيحٌ سَوِيُّ الْخِلْقَةِ كَعَكْسِهِ، وَكَذَا لَوْ تَفَاوَتَا فِي الْعِلْمِ، وَالشَّرَفِ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالصِّحَّةِ، وَالْمَرَضِ وَيَأْتِي.
(وَ) يُقْتَلُ (ذِمِّيٌّ) حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ بِمِثْلِهِ، (وَ) يُقْتَلُ (مُسْتَأْمَنٌ حُرٌّ، وَعَبْدٌ بِمِثْلِهِ) لِلْمُسَاوَاةِ (وَيَتَّجِهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ) الْمَقْتُولُ (وَقْفًا) فَلَا يُقْتَلُ قَاتِلُهُ؛ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ، وَحِينَئِذٍ فَالْوَاجِبُ قِيمَتُهُ يَشْتَرِي بِهَا بَدَلَهُ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُتَكَلِّمِ عَلَى الْوَقْفِ الْعَفْوُ عَنْهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) يُقْتَلُ (كِتَابِيٌّ بِمَجُوسِيٍّ، وَ) يُقْتَلُ (ذِمِّيٌّ بِمُسْتَأْمَنٍ، وَعَكْسِهِمَا)؛ أَيْ: يُقْتَلُ الْمَجُوسِيُّ بِالْكِتَابِيِّ، وَالْمُسْتَأْمَنُ بِالذِّمِّيِّ (وَ) يُقْتَلُ (كَافِرٌ غَيْرُ حَرْبِيٍّ جَنَى ثُمَّ أَسْلَمَ بِمُسْلِمٍ) لِلْمُكَافَأَةِ، وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ إذَا جَنَى عَلَى مُسْلِمٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ حَالَ الْجِنَايَةِ كَانَ مُسْتَبِيحًا لِدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَلَمْ يُقْتَلْ بِإِسْلَامِهِ بَعْدَهَا، كَمَا لَوْ لَمْ يُسْلِمْ.
(وَ) يُقْتَلُ (مُرْتَدٌّ بِذِمِّيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ)؛ لِمُسَاوَاتِهِ لَهُمَا فِي الْكُفْرِ (وَلَوْ تَابَ) الْمُرْتَدُّ، وَقُبِلَتْ تَوْبَتُهُ؛ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ، لَا عَكْسَهُ (وَلَيْسَتْ تَوْبَتُهُ)؛ أَيْ: الْمُرْتَدِّ (بَعْدَ جَرْحِهِ) ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا، وَقَبْلَ مَوْتِهِ مَانِعَةً مِنْ قَوَدٍ (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَيْسَتْ تَوْبَةُ مُرْتَدٍّ رَمَى ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا (بَيْنَ رَمْيٍ وَإِصَابَةٍ مَانِعَةً مِنْ قَوَدٍ فَيُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ بِهِمَا)؛ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ.
(وَ) يُقْتَلُ (قِنٌّ بِحُرٍّ وَبِقِنٍّ، وَلَوْ) كَانَ الْقِنُّ الْمَقْتُولُ (أَقَلَّ قِيمَةً مِنْهُ)؛ أَيْ: الْقِنِّ الْقَاتِلِ لَهُ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ}، وَتَسَاوِيهِمَا فِي النَّفْسِ، وَالرِّقِّ؛ وَلِأَنَّ زِيَادَةَ قِيمَةِ الْعَبْدِ إنَّمَا هِيَ فِي مُقَابَلَةِ الصِّفَاتِ النَّفْسِيَّةِ فِي الْعَبْدِ، وَلَا أَثَرَ لَهَا فِي الْحُرِّ، فَإِنَّ الْجَمِيلَ يُؤْخَذُ بِالدَّمِيمِ، وَالْعَالِمُ بِالْجَاهِلِ، فَإِذَا لَمْ تُعْتَبَرْ فِي الْحُرِّ فَالْعَبْدُ أَوْلَى (وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِ أَحَدِهِمَا مِكْتَابًا) أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ، وَالْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِلتَّسَاوِي فِي النَّفْسِ، وَالرِّقِّ (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا أَثَرَ (لِكَوْنِهِمَا)؛ أَيْ: الْقَاتِلِ، وَالْمَقْتُولِ، وَالرَّقِيقَيْنِ مَمْلُوكَيْنِ (لِوَاحِدٍ) أَوْ لِأَكْثَرَ (أَوْ) كَوْنِ الرَّقِيقِ الْقَاتِلِ مِلْكًا (لِمُسْلِمٍ، وَ) كَوْنِ الْمَقْتُولِ (الْآخَرِ) مِلْكًا (لِذِمِّيٍّ) فَيُقْتَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُكَافِئُهُ، وَإِنْ تَفَاضَلَ السَّيِّدَانِ.
(وَ) يُقْتَلُ (مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ بِمِثْلِهِ، وَبِأَكْثَرَ حُرِّيَّةً) مِنْهُ؛ بِأَنْ قَتَلَ مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ مَنْ ثُلُثَاهُ كَذَلِكَ، وَ(لَا) يُقْتَلُ (بِأَقَلَّ) حُرِّيَّةً مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ فَضَلَ بِمَا فِيهِ زَائِدًا مِنْ الْحُرِّيَّةِ.
(وَ) يُقْتَلُ (مُكَلَّفٌ بِغَيْرِ مُكَلَّفٍ) لِلتَّسَاوِي فِي النَّفْسِ، وَالْحُرِّيَّةِ، وَالرِّقِّ (لَا عَكْسِهِ) فَلَا يُقْتَلُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَمَجْنُونٍ، وَنَحْوِهِ بِمُكَلَّفٍ.
(وَ) يُقْتَلُ (ذَكَرٌ بِخُنْثَى وَبِأُنْثَى كَعَكْسِهِ)؛ أَيْ: كَمَا يُقْتَلُ الْخُنْثَى وَالْأُنْثَى بِالذَّكَرِ؛ لِلْمُسَاوَاةِ فِي النَّفْسِ، وَالْحُرِّيَّةِ، وَالرِّقِّ، وَلَا يُعْطَى الذَّكَرُ نِصْفَ دِيَةٍ إذَا قُتِلَ بِالْأُنْثَى.
(وَ) يُقْتَلُ (صَحِيحٌ بِمَرِيضٍ مَعْدُومِ الْحَوَاسِّ) مِنْ سَمْعٍ، وَبَصَرٍ وَشَمٍّ وَذَوْقٍ (مُجْدَعِ الْأَطْرَافِ)؛ أَيْ: مَقْطُوعِهَا، وَالْقَاتِلُ صَحِيحٌ سَوِيُّ الْخَلْقِ.
(وَ) يُقْتَلُ (غَنِيٌّ بِفَقِيرٍ، وَسُلْطَانٍ)، وَنَحْوِهِ مِنْ الْعُمَّالِ (بِأَحَدِ رَعِيَّتِهِ) قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا؛ لِعُمُومِ الْآيَاتِ، وَالْأَخْبَارِ.
تَتِمَّةٌ:
، وَقَتْلُ الْغِيلَةِ- بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ- وَهِيَ الْقَتْلُ عَلَى غِرَّةٍ كَاَلَّذِي يَخْدَعُ إنْسَانًا فَيُدْخِلُهُ بَيْتًا أَوْ نَحْوَهُ، وَغَيْرَهُ فَيَقْتُلُهُ وَيَأْخُذُ مَالَهُ وَغَيْرُهُ، سَوَاءٌ فِي الْقِصَاصِ، وَالْعَفْوِ؛ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَذَلِكَ مُفَوَّضٌ لِلْوَلِيِّ الْوَارِثِ لِلْمَقْتُولِ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، دُونَ السُّلْطَانِ، فَلَيْسَ لَهُ قِصَاصٌ، وَلَا عَفْوٌ مَعَ وُجُودِ وَارِثٍ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا}، «وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ» فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ، لَهُ الْقِصَاصُ وَالْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ لَا مَجَّانًا.
وَ(لَا) يُقْتَلُ (مُسْلِمٌ وَلَوْ ارْتَدَّ) بَعْدَ الْقَتْلِ (بِكَافِرٍ) كِتَابِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ ذِمِّيٍّ أَوْ مُعَاهَدٍ. رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَمُعَاوِيَةَ؛ لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» رَوَاه أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَفِي لَفْظٍ: «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَعَنْ عَلِيٍّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ، وَالْعُمُومَاتُ مَخْصُوصَةٌ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ. وَحَدِيثِ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَقَادَ مُسْلِمًا بِذِمِّيٍّ، وَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ» رَوَاه ابْنُ السَّلْمَانِيِّ.
قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ ضَعِيفٌ إذَا أُسْنِدَ، فَكَيْفَ إذَا أُرْسِلَ؟
(وَلَا) يُقْتَلُ (حُرٌّ بِقَنٍّ)؛ لِقَوْلِ عَلِيٍّ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُقْتَلَ حُرٌّ بِعَبْدٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ» رَوَاه الدَّارَقُطْنِيّ. وَلِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ طَرَفُهُ بِطَرَفِهِ مَعَ التَّسَاوِي فِي السَّلَامَةِ؛ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ كَالْأَبِ مَعَ ابْنِهِ، وَالْعُمُومَاتُ مَخْصُوصَةٌ بِذَلِكَ (أَوْ)؛ أَيْ:، وَلَا يُقْتَلُ حُرٌّ (بِمُبَعَّضٍ)؛ لِأَنَّهُ مَنْقُوصٌ بِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ. (وَلَا) يُقْتَلُ (مُكَاتِبٌ بِقِنِّهِ، وَلَوْ) كَانَ عَبْدُ الْمُكَاتِبِ (ذَا رَحِمِهِ) كَأَخِيهِ وَنَحْوِهِ، هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ " class="commentLink">(*)" class="commentLink">(*)" class="commentLink">(*)" class="commentLink">(*)؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ رَقَبَتِهِ أَشْبَهَ الْحُرَّ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يُقْتَلُ مُكَاتِبٌ بِعَبْدِهِ الْأَجْنَبِيِّ، وَيُقْتَلُ بِعَبْدِهِ ذِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ انْتَهَى.
(وَإِنْ انْتَقَضَ عَهْدُ ذِمِّيٍّ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ) حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ (فَقَتَلَ) حُرًّا (لِنَقْضِهِ) الْعَهْدَ لَا قِصَاصًا (فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْحُرِّ) إنْ كَانَ الْقَتِيلُ حُرًّا (أَوْ قِيمَةُ الْقِنِّ) إنْ كَانَ الْقَتِيلُ قِنًّا، كَمَا لَوْ قُتِلَ لِرِدَّةٍ أَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ؛ إذْ لَا مُسْقِطَ لِمُوجِبِ جِنَايَتِهِ. لَا يُقَالُ: هَذَا بِانْتِقَاضِ عَهْدِهِ صَارَ حَرْبِيًّا، وَالْحَرْبِيُّ لَا يَضْمَنُ الْمُسْلِمَ بِدِيَةٍ وَلَا غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ صَيْرُورَتَهُ حَرْبِيًّا تَأَخَّرَتْ عَنْ قَتْلِهِ الْمُسْلِمَ، فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ دِيَةُ جِنَايَتِهِ الَّتِي صَدَرَتْ مِنْهُ فِي حَالِ الذِّمَّةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ حَرْبِيًّا (وَإِنْ قَتَلَ) ذِمِّيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ ذِمِّيًّا، أَوْ جَرَحَ (ذِمِّيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ ذِمِّيًّا أَوْ) قَتَلَ أَوْ جَرَحَ (قِنٌّ قِنًّا فَأَسْلَمَ) الذِّمِّيُّ الْقَاتِلُ أَوْ الْجَارِحُ (أَوْ عَتَقَ) الْقِنُّ الْقَاتِلُ أَوْ الْجَارِحُ (وَلَوْ) كَانَ إسْلَامُهُ أَوْ عِتْقُهُ (قَبْلَ مَوْتِ مَجْرُوحٍ قُتِلَ بِهِ) نَصًّا؛ لِحُصُولِ الْجِنَايَةِ- بِالْجُرْحِ فِي حَالِ تَسَاوِيهِمَا (كَمَا لَوْ جُنَّ) قَاتِلٌ أَوْ جَارِحٌ بَعْدَ الْجِنَايَةِ. (وَلَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا، أَوْ) جَرَحَ (حُرٌّ قِنًّا فَأَسْلَمَ) مَجْرُوحٌ (أَوْ عَتَقَ مَجْرُوحٌ ثُمَّ مَاتَ؛ فَلَا قَوَدَ) عَلَى جَارِحٍ (اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ، وَعَلَيْهِ)؛ أَيْ: الْجَارِحِ (دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ) اعْتِبَارًا بِحَالِ الزُّهُوقِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِقْرَارِ الْجِنَايَةِ؛ فَيُعْتَبَرُ الْأَرْشُ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْ إنْسَانٍ وَرِجْلَيْهِ وَسَرَى إلَى نَفْسِهِ؛ فَفِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ (وَيَسْتَحِقُّ دِيَةَ مَنْ أَسْلَمَ) بَعْدَ الْجُرْحِ (وَارِثُهُ الْمُسْلِمُ)؛ لِمَوْتِهِ مُسْلِمًا (وَ) يَسْتَحِقُّ دِيَةَ (مَنْ عَتَقَ) بَعْدَ الْجُرْحِ سَيِّدُهُ، إنْ كَانَتْ قَدْرَ قِيمَتِهِ فَأَقَلَّ، إلَّا أَنْ تُجَاوِزَ الدِّيَةُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ، فَإِنْ جَاوَزَتْ الدِّيَةُ قِيمَتَهُ رَقِيقًا فَيَأْخُذُهَا (وَارِثُهُ يَدْفَعُ مِنْهَا قِيمَتَهُ لِسَيِّدِهِ)؛ لِأَنَّهَا بَدَلُهُ (كَمَا لَمْ لَوْ يُعْتَقْ)، وَمَا بَقِيَ لَهُ يَرِثُهُ عَنْهُ؛ لِحُصُولِهِ بِحُرِّيَّتِهِ، وَلَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فِيمَا حَصَلَ بِهَا، إلَّا أَنَّ السَّيِّدَ يَرِثُهُ بِالْوَلَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرَقٌ مِنْ نَسَبٍ أَوْ نِكَاحٍ (وَلَوْ وَجَبَ بِهَذِهِ الْجِنَايَةِ قَوَدٌ) بِأَنْ كَانَتْ عَمْدًا مِنْ مُكَافِئٍ لَهُ (فَطَلَبُهُ)؛ أَيْ: الْقَوَدَ (لِوَرَثَتِهِ)؛ أَيْ الْعَتِيقِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ حُرًّا، فَإِنْ اقْتَصُّوا فَلَا شَيْءَ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ عَفَوْا عَلَى مَالٍ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَ قِيمَتِهِ فَلِسَيِّدِهِ، وَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا فَالزَّائِدُ لِوَرَثَتِهِ. (وَمَنْ جَرَحَ قِنٌّ نَفْسِهِ فَعَتَقَ) لِلتَّمْثِيلِ أَوْ إعْتَاقِهِ لَهُ أَوْ وُجُودِ صِفَةٍ عَلَّقَ عَلَيْهَا (ثُمَّ مَاتَ) الْعَتِيقُ (فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: السَّيِّدِ؛ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ (وَعَلَيْهِ دِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ)؛ أَيْ: الْعَتِيقِ، اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الزُّهُوقِ (وَيُسْقِطُ) السَّيِّدُ (مِنْهَا) أَيْ: الدِّيَةِ (أَرْشَ جَرْحِهِ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ سِوَاهُ، وَجَبَ الزَّائِدُ عَنْ أَرْشِ جَرْحِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ قَاتِلٌ فَلَا يَرِثُ. (وَإِنْ رَمَى مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا عَبْدًا فَلَمْ تَقَعْ بِهِ الرَّمْيَةُ حَتَّى عَتَقَ) الْمَرْمِيُّ (وَأَسْلَمَ فَمَاتَ مِنْهَا) أَيْ: الرَّمْيَةِ (فَلَا قَوَدَ) عَلَى رَامِيهِ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ، وَهُوَ وَقْتُ صُدُورِ الْفِعْلِ مِنْ الْجَانِي (وَلِوَرَثَتِهِ) أَيْ: الْمَرْمِيِّ (عَلَى رَامٍ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ) كَمَا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا حَالَ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْإِصَابَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ بَدَلٌ عَنْ الْمَحَلِّ؛ فَتُعْتَبَرُ حَالَةُ الْمَحَلِّ الَّذِي فَاتَ بِهَا؛ فَتَجِبُ بِقَدْرِهِ وَقَدْ فَاتَ بِهِ نَفْسُ مُسْلِمٍ حُرٍّ، وَالْقِصَاصُ جَزَاءٌ لِلْفِعْلِ؛ فَيُعْتَبَرُ الْفِعْلُ فِيهِ، وَالْإِصَابَةُ مَعًا؛ لِأَنَّهُمَا طَرَفَاهُ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ. (وَلَوْ قَطَعَ حُرٌّ أَنْفَ عَبْدٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَانْدَمَلَ) الْجَرْحُ (ثُمَّ عَتَقَ) بِهِ الْعَبْدُ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِتْقِ (أَوْ) قَطَعَ أَنْفِهِ ثُمَّ (عَتَقَ ثُمَّ انْدَمَلَ) فَقِيمَتُهُ بِكَمَالِهَا لِلسَّيِّدِ، أَوْ قَطَعَ أَنْفِهِ (وَمَاتَ مِنْ سِرَايَةِ الْجُرْحِ) (فَقِيمَتُهُ) بِكَمَالِهَا (لِلسَّيِّدِ)؛ لِأَنَّهُ حِينَ الْجِنَايَةِ كَانَ رَقِيقًا لَهُ، وَالْجِنَايَةُ يُرَاعَى فِيهَا حَالُ وُجُودِهَا. (وَإِنْ قَطَعَ) الْجَانِي (يَدَهُ)؛ أَيْ: الْعَبْدِ (فَعَتَقَ)؛ أَيْ: أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ (وَانْدَمَلَ) الْجُرْحُ (ثُمَّ) عَادَ الْجَانِي وَ(قَطَعَ رِجْلَهُ) وَانْدَمَلَ جُرْحُهُ أَيْضًا (فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ لِسَيِّدِهِ)؛ لِأَنَّهُ حِينَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا كَانَ رَقِيقًا (وَفِي رِجْلِهِ الْقِصَاصُ)؛ لِأَنَّهُ مُكَافِئٌ لَهُ وَقْتَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا (وَنِصْفُ الدِّيَةِ) إنْ عَفَا الْعَتِيقُ عَنْ الْقِصَاصِ، وَيَكُونُ لَهُ لَا لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ. (وَإِنْ كَانَ قَطْعُ الرِّجْلِ سَرَى لِنَفْسِهِ، فَفِي الْيَدِ نِصْفُ قِيمَتِهِ) لِسَيِّدِهِ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ (وَعَلَى قَاطِعِ رِجْلِهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ) لِلْمُكَافَأَةِ حَالَ الْجِنَايَةِ الَّتِي سَرَتْ (أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً لِوَرَثَتِهِ)؛ أَيْ: الْعَتِيقِ نَسَبًا أَوْ وَلَاءً مَعَ الْعَفْوِ مِنْهُمْ عَنْ الْقِصَاصِ (وَلَوْ كَانَ انْدَمَلَ قَطْعُ الرِّجْلِ، فَسَرَى قَطْعُ الْيَدِ لِلنَّفْسِ؛ فَفِي الرِّجْلِ الْقِصَاصُ أَوْ نِصْفُ الدِّيَةِ لِوَرَثَتِهِ) كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَا قِصَاصَ فِي الْيَدِ، وَلَا فِي سِرَايَتِهَا)؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ قَطْعِهَا كَانَ رَقِيقًا؛ فَلَا مُكَافَأَةَ (وَعَلَى الْجَانِي لِسَيِّدِهِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِ الْقَطْعِ أَوْ دِيَةِ حُرٍّ) قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْت: وَمَا بَقِيَ مِنْ الدِّيَةِ بَعْدَ أَرْشِ الْقَطْعِ لِلْوَرَثَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ سَرَى الْجُرْحَانِ؛ فَلَا قِصَاصَ فِي النَّفْسِ، بَلْ يَجِبُ) الْقِصَاصُ (فِي الرِّجْلِ)؛ لِوُجُودِ الْمُكَافَأَةِ حِينهَا، بِخِلَافِ الْيَدِ، وَالنَّفْسِ فَإِنْ اقْتَصَّ مِنْهُ فِي الرِّجْلِ وَجَبَ (مَعَ) ذَلِكَ (نِصْفُ الدِّيَةِ) لِقَطْعِ الرِّجْلِ (وَلِسَيِّدِهِ الْأَقَلُّ)؛ أَيْ: أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ (مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ) عَبْدًا (أَوْ نِصْفِ دِيَةِ) حُرٍّ (وَمَعَ تَغَايُرِ الْقَاطِعَيْنِ) بِأَنْ كَانَ قَاطِعُ الْيَدِ غَيْرَ قَاطِعِ الرِّجْلِ (وَانْدَمَلَا؛ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ)؛ أَيْ: فَعَلَى قَاطِعِ الْيَدِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ قِنُّهُ وَقْتَ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَعَلَى قَاطِعِ الرِّجْلِ الْقِصَاصُ فِيهَا أَوْ نِصْفُ الدِّيَةِ بِوَرَثَةِ الْعَتِيقِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ حِينَ قَطَعَ رِجْلَهُ (وَإِنْ سَرَيَا)؛ أَيْ: الْجُرْحَانِ إلَى نَفْسِهِ (فَلَا قِصَاصَ فِي النَّفْسِ عَلَى الْأَوَّلِ)؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ حَالَ الرِّقِّ؛ فَلَا مُكَافَأَةَ، وَعَلَيْهِ نِصْفُ دِيَةِ حُرٍّ؛ اعْتِبَارًا بِحَالِ اسْتِقْرَارِ الْجِنَايَةِ كَمَا مَرَّ، (بَلْ) الْقِصَاصُ عَلَى (الثَّانِي) فِي النَّفْسِ؛ لِمُكَافَأَتِهِ لَهُ حَالَ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ حَيْثُ تَعَمَّدَا؛ لِأَنَّهُ شَارَكَ فِي الْقَتْلِ عَمْدًا عُدْوَانًا كَشَرِيكِ أَبٍ. (وَقَالِعُ عَيْنِ عَبْدٍ فَعَتَقَ) الْعَبْدُ (ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ يَدَهُ ثُمَّ آخَرُ رِجْلَهُ) فَلَا قَوَدَ عَلَى الْأَوَّلِ، سَوَاءٌ انْدَمَلَ جُرْحُهُ، أَوْ سَرَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُكَافِئًا لَهُ حِينَ الْجِنَايَةِ (وَ) سَوَاءٌ (سَرَتْ) الْجِرَاحَاتُ (كُلُّهَا أَوْ لَا، فَالْقِصَاصُ) فِي النَّفْسِ (عَلَى الْأَخِيرَيْنِ)؛ أَيْ: قَاطِعِ الْيَدِ، وَقَاطِعِ الرِّجْلِ (فَقَطْ) أَيْ: دُونَ الْأَوَّلِ لِلْمُكَافَأَةِ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُمَا عَلَى حُرٍّ (وَإِنْ اُخْتِيرَتْ الدِّيَةُ فَهِيَ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا)؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِسِرَايَةِ جِرَاحَاتِهِمْ (وَيَكُونُ لِلسَّيِّدِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ نِصْفِ قِيمَةِ) الْعَبْدِ، كَقَلْعِ عَيْنِهِ (أَوْ ثُلُثِ دِيَةِ) حُرٍّ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ (وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ الثَّالِثَةُ فَقَطْ فِي حَالِ الْحُرِّيَّةِ)، وَالْجِنَايَتَانِ كَانَتَا فِي حَالِ الرِّقِّ، وَمَاتَ الْعَتِيقُ؛ (فـَ) عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ أَثْلَاثًا، وَ(لَهُ) أَيْ: السَّيِّدِ (الْأَقَلُّ مِنْ أَرْشِ) الْجِنَايَتَيْنِ (أَوْ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ)، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ فَعَتَقَ، ثُمَّ) قَطَعَ (آخَرُ رِجْلَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ الْأَوَّلُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ؛ قُتِلَ) الْأَوَّلُ قِصَاصًا (لِوَرَثَتِهِ)؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، (وَ) عَلَيْهِ (لِسَيِّدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ) لِقَطْعِ يَدِهِ (وَعَلَى الْآخَرِ قَطْعُ رِجْلِهِ) قِصَاصًا (أَوْ نِصْفُ الدِّيَةِ) لِلْوَرَثَةِ (وَ) إنْ كَانَ قَتَلَهُ (قَبْلَ الِانْدِمَالِ) فَعَلَى الْجَانِي الْأَوَّلِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ؛ لِمُكَافَأَتِهِ لَهُ حِينَ قَتَلَهُ دُونَ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ قَطْعَهَا فِي رِقِّهِ (وَ) إذَا (اقْتَصَّ الْوَرَثَةُ سَقَطَ حَقُّ السَّيِّدِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ النَّفْسَ، وَأَرْشَ الطَّرَفِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ؛ فَإِنَّ الطَّرَفَ دَاخِلٌ فِي النَّفْسِ فِي الْأَرْشِ (وَإِنْ أَخَذُوا)؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ (الدِّيَةَ فَلِسَيِّدِهِ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ قِيمَةِ) الْعَبْدِ (أَوْ أَرْشِ طَرَفِهِ)، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَعَلَى الثَّانِي قَطْعُ رِجْلِهِ) قِصَاصًا؛ لِأَنَّهُ مُكَافِئٌ لَهُ حَالَ الْجِنَايَةِ، وَعَلَيْهِ مَعَ الْعَفْوِ نِصْفُ الدِّيَةِ لِقَطْعِ الرِّجْلِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاطِعُ الثَّانِي هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ، فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ؛ لِمُكَافَأَتِهِ لَهُ حِينَ الْقَتْلِ، وَمَعَ الْعَفْوِ نِصْفُ دِيَةٍ وَاحِدَةٍ إنْ كَانَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي الرِّجْلِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الْقِيمَةِ، وَلَا قِصَاصَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَافِئْهُ حِينَ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ ثَالِثًا فَقَدْ اسْتَقَرَّ الْقَطْعَانِ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الثَّالِثِ لَهُ قَطَعَ سِرَايَتَهُمَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ جَنَى حِينَ كَانَ رَقِيقًا، وَعَلَى الثَّانِي الْقِصَاصُ فِي الرِّجْلِ (أَوْ نِصْفُ الدِّيَةِ) لِوَرَثَتِهِ، وَعَلَى الثَّالِثِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ أَوْ الدِّيَةِ مَعَ الْعَفْوِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ حُرًّا حِينَ جِنَايَتِهِمَا. (وَمَنْ قَتَلَ مَنْ يَعْرِفُهُ أَوْ يَظُنُّهُ كَافِرًا) غَيْرَ حَرْبِيٍّ؛ إذْ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا قَتَلَ مَنْ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا فَبَانَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَقَطْ (أَوْ قِنًّا؛ أَوْ) قَتَلَ مَنْ يَظُنُّهُ (قَاتِلَ أَبِيهِ، فَبَانَ تَغَيُّرُ حَالِهِ) بِأَنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ، أَوْ عَتَقَ الْقِنُّ، (أَوْ) تَبَيَّنَ (خِلَافُ ظَنِّهِ) بِأَنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ قَاتِلِ أَبِيهِ (فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ) اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، لَا بِمَا فِي ظَنِّ الْمُكَلَّفِ؛ لِقَتْلِهِ مَنْ يُكَافِئُهُ عَمْدًا مَحْضًا بِغَيْرِ حَقٍّ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ عَلِمَ بِحَالِهِ.